فادي عباس في مقاله:
اتحدث عن ظاهرة اتفاقات التناوب بين المرشحين الذين من المفروض أن يتنافسوا في الجولة الثانية لانتخابات رؤساء السلطات المحلية العربية
القانون لا يسمح بما يسمّى بالتناوب، ولكن "تداول السلطة" بتم بواسطة الانتخابات مرة كلّ خمس سنوات
إجراء اتفاقات تناوب لتقاسم السلطة بين اثنين من المرشّحين، والذين وصلا إلى التنافس ، والذي بات ظاهرةً شائعة في السلطات المحلية العربية، هو أمر شاذ وغريب ولا يوجد له ما يبرّره
اتفاقات التناوب التي تحدث بين مرشحين اثنين اجتازا الجولة الأولى إلى المنافسة في جولة ثانية، بصرف النظر عن قانونيّتها، فإنها تُفرغ إرادة الناخب وإرادة الجماهير من مضمونها
ما هي المبررات التي سيسوقها هؤلاء لمثل هذه الاتفاقات في البلدات التي لم تشهد أي توتر لا بين المرشحين ولا بين مؤيّديهم؟
لقد انبثقت عن الانتخابات البلدية الأخيرة عدوى جديدة تضاف إلى قائمة الأمراض الاجتماعية التي تفتك بمجتمعاتنا العربية، ولا نجد من يشخّص المرض بصورة صحيحة أو شاملة، ما يؤدي إلى العجز عن تقديم العلاج المناسب، ما يؤدي – في أحسن الأحوال - إلى إعطاء المجتمع عقاقير مسكّنة دون معالجة الأمراض، وفي حالات أخرى تجاهل الأمر وكأنّ أحدَا لا يراه... والأعراض الجديدة التي أتحدث عنها، والتي انتشرت عدواها في الأيام أخيرة انتشار في الهشيم أو أشدّ انتشارًا هي ظاهرة اتفاقات التناوب بين المرشحين الذين من المفروض أن يتنافسوا في الجولة الثانية لانتخابات رؤساء السلطات المحلية العربية.
الحقيقة أن القانون لا يسمح بما يسمّى بالتناوب، ولكن "تداول السلطة" بتم بواسطة الانتخابات مرة كلّ خمس سنوات، وفي حال استقالة الرئيس المنتخب أو عزله فيتم اجراء انتخابات لرئاسة السلطة المحلية، مع وجود استثناء قانوني تقني، في حال حدوث ذلك قبل مدّة أقصاها سنة واحدة من تاريخ الانتخابات المقرّرة التالية، عندها ينتخب أعضاء السلطة المحلية رئيسًا للسلطة من بين الأعضاء، وذلك توفيرًا للوقت والجهد والمال، بما أن دورة السلطات المحلية قاربت من نهايتها، وبما أن الانتخابات في كل الأحوال لعضوية ورئاسة السلطة ستُجرى في موعدها المقرر، إذ من غير المنطقي إجراء انتخابات مرتين في نفس السنة.
إن إجراء اتفاقات تناوب لتقاسم السلطة بين اثنين من المرشّحين، والذين وصلا إلى التنافس ، والذي بات ظاهرةً شائعة في السلطات المحلية العربية، هو أمر شاذ وغريب ولا يوجد له ما يبرّره، وسأناقش وأدحض فيما يلي جميع التبريرات المختلفة التي ساقوها الينا من البلدات المختلفة التي قات بإجراء مثل هذه التناوبات، ولكن قبل كلّ ذلك، فلا بدّ من التعبير عن الاستهجان والاستنكار لقيام بعض أصحاب النفوذ ومواقع اتخاذ القرار في المؤسسات السياسية العربيّة القطرية بتبرير مثل هذه الاتفاقيات، بل وحتّى مباركتها، وهم الذين – حتّى الأمس القريب قد أقرّوا بفداحة خطأهم بموافقتهم على اتفاق التناوب في القائمة المشتركة خلال المفاوضات التي سبقت تشكيلها، والتي كنّا قد حذّرناهم من الاتفاق على عملية التناوب ومن تبعاتها قبل الاتفاق على تركيبة القائمة المشتركة، ولكنّهم أبوا إلا أن يفرضوا رأيهم الذي قد ثبت بالتجربة افتقاره إلى المنطق والمهنيّة والموضوعيّة، فضلًا عن "الديمقراطيّة" المزعومة واحترام قرار الناخب.
إنّ القواعد القانونيّة في انتخابات السلطات المحليّة تقضي أنّ على المرشّح الحصول على أكبر عدد من الأصوات من بين المرشّحين، وأن يحصل على 40% من الأصوات الصحيحة لكي يتم انتخابه من الجولة الأولى، ومع التأكيد على أنّ الهدف من أيّة انتخابات هو تحقيق إرادة الناخبين أو إرادة الجماهير، ومع تعذَر تحقيق إرادة الجماهير، حيث أنّه لا توجد أساسًا إرادة واحدة لكل الجماهير، فقد انبثقت طريقة الانتخابات الدورية كحلّ وسط، وأفضل طريقة ممكنة، شرط الالتزام بقواعد اللعبة الديمقراطية، والتي من أهم اعتباراتها الشفافية واحترام رأي وحقوق الأقليّة وعدم طمسها... ومع ذلك، تبقى النظريّة بعيدةً – نوعًا ما – عن التطبيق.
إن الاكتفاء بنسبة 40% من الناخبين لانتخاب رئيس للسلطة المحلّية في الجولة الأولى هو مشكلة كبيرة بحد ذاتها، ولكن بما أن القانون يسمح بذلك، وبما أن جمهور الناخبين اصطلح وتوافق على ذلك، فمن الممكن أن نتقبّل الأمر، رغم كلّ الملاحظات، رغم أنني على يقين أن علينا المطالبة برفع هذه النسبة إلى 50% + 1، ولكن هذا شأن ربما نناقشه لاحقًا في سياق أو مقال آخر.
إن اتفاقات التناوب التي تحدث بين مرشحين اثنين اجتازا الجولة الأولى إلى المنافسة في جولة ثانية، بصرف النظر عن قانونيّتها، فإنها تُفرغ إرادة الناخب وإرادة الجماهير من مضمونها، وقبل الخوض في ذلك، لا بدّ من الإتيان على ذكر مقولة قاضي المحكمة العليا البروفسور أهرون براك في بتّه في أحد الاستئنافات التي وصلت للمحكمة العليا في شأن ذي صِلة أنّه "لا توجد قيمة لتحقيق "إرادة الناخب" في عمليّة ديمقراطية إن كانت نتائج الانتخابات لا تعكس هذه الإرادة".
إنّ أيًّا من المرشحين الذين وصلا إلى المرحلة الثانية لم يصل إلى ما نسبته 40% من أصوات الناخبين، فلو فعل أيهما ذلك لتم انتخابه وانتهر الأمر، وفي بعض الحالات لم يصل مجموع الأصوات التي حصلا عليها مُجتمعَين إلى هذه النسبة (يمكن لمن يشاء الفحص)،وبالتالي، فإن أكثلر من 60% من الأصوات الصحيحة كانت أصواتهم لخيارات أخرى، فهل يجو أن يقرّر الاثنان معًا أنيّهما يكون الرئيس؟ فضلًا عن تقاسمهما الرئاسة (والنيابة) دونما أي اعتبار للمطالب السياسية ولرأي السواد الأعظم ليس فقط ممن يمثلون 60% على الأقل ممن لم يؤيدوهم، ولكن حتى – في غالبية الأحوال – آراء أصحاب حق الاقتراع الذين أيّدوا أحد المرشحين، فإن كان لدى الناخب أكثر من خيارين، واختار أحد المرشحين كأفضل مرشّح بالنسبة له، فلا يعني هذا بالضرورة أن التالي بعده من حيث الأفضليّة من ناحيته كان المرشح الثاني، ولربّما لو لم يكن أحد المرشحّين المذكورين متنافسًا منذ البداية، لفضّل دعم مرشح آخر من المرشحين الآخرين، فضلًا عن أنّه حتّى لو حصل أحد المرشحين على مجموع الأصوات التي حصل عليها كلاهما معًا في حال عدم ترشّح الآخر (وهذا تقريبًا غيلا ممكن، أو – فلنقل – شديد الصّعوبة) لاضطر إلى التنافس مع المرشّح التالي من باقي المرشحين الذين لم يصلوا إلى التنافس، وملّ هذا يؤدي إلى ضرب إرادة الناخب عرض الحائط.
لعلّ أحد أهم التبريرات التي يسوقها البعض إلى الجماهير، بما في ذلك بعض أصحاب التأثير في ما يسمَى "القيادة السياسية" على المستوى القطري للجماهير العربيّة، بل ويبارك مثل هذه الخطوات، يعلّل ذلك بالحفاظ على السلم الأهلي والأمن والأمان للمواطن، وما أشبه ذلك من تبريرات، ولكنه لم يجب على العديد من الأسئلة الهامّة، ولا يتسع المجال هنا لذكرها جميعًا ولكن لا بدّ من طرح غيضٍ من فيضْ منها:
ما هي المبررات التي سيسوقها هؤلاء لمثل هذه الاتفاقات في البلدات التي لم تشهد أي توتر لا بين المرشحين ولا بين مؤيّديهم؟
ألم يفطن إلى أن هذا الفعل يكرّس العنف ويحارب الديمقراطية وإرادة الغالبية عن طريق التخويف بالعنف وإعطاء الجوائز للعنف ودفع الانسان المناسب المسالم إلى الانسحاب من الترشح والتنافس، هذا إن فكّر أساسًا في الترشّح؟
ألم يلحظ أن المشاكل والعلل في الجولات الأخيرة من الانتخابات آخذة في التفاقم من دورة لدورة، وأن المواقف التي تشابه موقفه يمكنها بشكل شبه يقينيّ أن تزيد من ذلك في الدورات القادمة؟
أيّ قيادة سياسيّة تلك التي إمّا أنها لم تفطن إلى كل هذا، وهو – كما ذكرنا سابقًا – غيضٌ من فيضٍ في أحسن الأحوال، هذا إن لم تكن فطنة إلى ذلك ولكنها تفتقر إلى الجرأة والشجاعة حتّى على أن تقول ذلك؟
حتّى لو أمكننا أن نغفر لبعض القيادات السياسية أن لا تفطن إلى ذلك أو أن نغفر لها أن لا تملك الجرأة لقول كلمة حقّ في ذلك (وهما أمران عظيمان) فكيف سيمكننا أن نثق في قدرتهم على إدارة شؤوننا العامة الأشد خطرًا وأوسع تأثيرًا على كلّ مجتمعنا على المستوى القطري، بما هو أوسع وأكبر من مشاكل كلّ قرية ومدينة من بلداننا العربيّة
لو تجاوزنا عن كلّ ذلك، وتمكّنّا أن نغفر عجز البعض عن قول الحقّ فأنّى لنا أن نغفر لهم تصفيقهم للباطل بمباركتهم هذه؟
أفلا يتفكّرون؟
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net