سمير عطالله:
في موسكو قامت مظاهرات مؤيدة للحلفاء الأميركيين، لكن السوفيات سارعوا إلى تفريقها على الفور
الحقيقة أن المنتصرين قد جمع بهم تحالف كبير في وجه عدو هائل، لكنهم في طبيعة الحال كانوا مجموعة من الخصوم، آيديولوجيًا وجيوسياسيًا
«بهذه الطريقة كان يجب أن تنتهي الحرب: بالهتافات، بالمصافحات، بالرقص وبالأمل. التاريخ هو 25 أبريل (نيسان) 1945. المكان هو مدينة تورغاو، ألمانيا الشرقية، على نهر الألبه. الحدث هو أول لقاء بين الجيوش القادمة من جهات الأرض، التي شقت ألمانيا النازية إلى شقين. بعدها بخمسة أيام فجّر أدولف هتلر دماغه تحت ركام الخندق الذي كان كل ما بقي من برلين. ثم بعد أسبوع، أعلن الألمان استسلامهم دون شروط. وكان قادة (الحلف الكبير)، فرانكلين روزفلت وونستون تشرشل وجوزف ستالين قد تبادلوا التهاني والمصافحات والأمل بعالم أفضل، خلال مؤتمري قمّة؛ الأول في طهران، نوفمبر (تشرين الثاني) 1943، والثاني في يالطا، فبراير (شباط) 1945. غير أن لقاءاتهم ما كانت لتعني شيئًا، لولا أن جيوشهم نفسها لم تستطع الاحتفال على الجبهات، فيما كان العدو يختفي ويتلاشى».
بهذه الكلمات يصف المفكر والمؤرخ الأميركي جون لويس غاديس، أفظع الحروب الكونية. لكن هل تنتهي الحروب حقًا؟ ما إن هدأت الجبهات بين دول المحور والحلفاء، حتى بدأ فيما بين الحلفاء أنفسهم، ما سوف يعرفه العالم بالحرب الباردة. لذلك، لم يكن يوم 25 أبريل الموعد الرسمي لنهاية الحرب، بل أصر القادة على الاحتفال بنهايتها على الجبهة الغربية في مدينة رانس الفرنسية في 7 مايو (أيار)، وفي برلين 8 مايو على الجبهة الشرقية. وفي موسكو قامت مظاهرات مؤيدة للحلفاء الأميركيين، لكن السوفيات سارعوا إلى تفريقها على الفور. لم تترك الخلافات مجالاً واسعًا للاحتفال، ولذلك، سوف يكون عنوان كتاب تشرشل عن تلك المرحلة «نصر أم مأساة».
الحقيقة أن المنتصرين قد جمع بهم تحالف كبير في وجه عدو هائل، لكنهم في طبيعة الحال كانوا مجموعة من الخصوم، آيديولوجيًا وجيوسياسيًا. ولم يستطع النصر الكبير في ربيع 1945 أن يغطي الخلافات، أو النزاعات الكامنة في جوهر الأنظمة المراوحة بين أقصى الشيوعية وأقصى الرأسمالية. وعندما تعانقت القوات السوفياتية والأميركية على ضفتي نهر الألبه، أنستها فرحة اللحظة، أنها قادمة من حالتي صدام تلقائي: دولتان كبريان تحلم كل منهما بنقل نظامها خارج حدودها الداخلية، مهما كان حجمها كبيرًا؛ روسيا، الدولة الأكبر في العالم، وأميركا في المرتبة الثالثة. وكلتاهما كانت قد دخلت الحرب بسبب هجوم مفاجئ، أو غادر، في لغة الحروب؛ الأولى، بسبب الغزو النازي للاتحاد السوفياتي في 22 يونيو (حزيران) 1941، والثانية، بسبب الهجوم الياباني على بيرل هاربر في 7 ديسمبر (كانون الأول) 1941، فما كان من هتلر إلا أن أعلن الحرب على أميركا بدوره بعد أربعة أيام.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net