د.أحمد كامل ناصر في مقاله:
الطالب العربي يتقن اللغة العربية الأصيلة ويحسن استخدامها كتابة ومناقشة ويعرف أصولها وقواعدها النحوية أكثر من الطالب اليهودي
يتفوق الطالب اليهودي على الطالب العربي في عملية تحليل النص والاشارة إلى دلالاته المبطنة مستخدمًا ملكته وسلاسة تعابيره باللغة العبرية مما يمنحه انطباعًا بالتفوق العلمي على الطالب العربي
يعتبر تعلم اللغة العربية في المعاهد العليا والجامعات العبرية في اسرائيل من القضايا الهامة التي شغلت ولا زالت تشغل بال الكثيرين من التربويين، وأساتذة الجامعات العرب، والمهتمين بتطوير التعليم العالي في اسرائيل. وبالرغم من اجماع الأكثرية على ضرورة التدريس باللغة العربية، لا زالت الجامعات العبرية تعارض هذا التوجه وتعتبره مضرا لاعتبارات تاريخية، أو لهواجس دينية موروثة تؤمن بضرورة عدم زعزعة الهوية اللغوية للدولة اليهودية، وربما كان ذلك بسب ادعاءاتهم أنّ اللغة العبرية هي أسمى اللغات الانسانية وأفضلها للتعامل مع التراث والتاريخ، مستندين بذلك على اهمية تعلق الطالب اليهودي بلغته الوطنية، وبعده عن اللغة العربية ومدى المعاناة التي يواجهها في فهم معانيها، والتي في الواقع قد يكون سببها ضعف التكوين اللغوي للأستاذ نفسه.
لا تقتصر العقبات التي يواجهها الطالب العربي في الجامعات والمعاهد العليا في البلاد على موضوع تعلم اللغة العربية باللغة العبرية فحسب، بل تعدت ذلك لتصبح موضوع تعامل يومي وسياسات ممنهجة تهدف "ولو بصورة مبطنة" إلى إعاقة تقدم الطالب العربي في مسيرته الأكاديمية على وجه العموم. ولعل ذلك يبرز في غياب التعددية الثقافية في المؤسسات الأكاديمية، إذ يعاني الطالب العربي من غياب ثقافته العربية فيها. فعلى سبيل المثال: جميع المساقات التدريسية التي تخصص لتعليم اللغة العربية وآدابها في جامعات اسرائيل لا توصي باستخدام اللغة العربية كلغة تدريس اساسية. بل يجتهد المحاضر ليمرر المواد المقررة باللغة العبرية أو الانجليزية إذا اقتضت الضرورة ذلك. الأمر الذي يفرض على الطالب العربي معرفة لغات أخرى بالإضافة إلى لغة الأم "العربية".
بات في حكم المؤكد، أنّ مستوى المعرفة بطلاقة اللغة العربية: كتابة ومناقشة لدى الطلاب العرب واليهود الذين يدرسون اللغة العربية وآدابها في الجامعات والمعاهد العليا في اسرائيل لا يتعدى قراءة النص وفهم مضمونه ومعرفة مكونات بنياته الشكلية. ذلك أن جميع المحاضرات والمناقشات، دون استثناء، تتم باللغة العبرية في أغلبها. ولعله من المفارقة الغريبة أنّ المحاضرين المسؤولين عن اعداد المناهج ومواد المساقات في اقسام اللغة العربية والدراسات الاسلامية في جامعات البلاد لا يهتمون ولا يضعون نصب أعينهم عملية اتقان اللغة العربية ومعرفة أصولها ومقاييسها النحوية. وقد تعود هذه الاعتبارات إمّا لضعف التكوين اللغوي للمحاضر نفسه، أو لأسباب سياسة ممنهجة من قبل الجامعات الاسرائيلية التي لا زالت تحاصر الأكاديميين العرب الحاصلين على الشهادات العليا في البلاد. علمًا أن نسبة المحاضرين العرب العاملين في الجامعات الاسرائيلية لا تتعدى ال 1.5 % على الرغم من وجود ازدياد متواصل في عدد الأكاديميين العرب أصحاب القدرات والكفاءات المؤهلة.
وعلى هذا لا بد أن تعمل الجامعات في اسرائيل على توفير الظروف التعليمية المناسبة لتعلم اللغة العربية وفروعها المختلفة للطلاب العرب واليهود على حد سواء. ومن ثم تحسين وتطوير المناهج وطرق التدريس الحالية والتي تقوم على اساليب عفا عليها الزمن، وأن تتبنى منهجًا ابداعيًا وديناميكية مرنه في آن واحد، إذ أنّ طلاب اللغة العربية يواجهون مسؤوليات وواجبات تفرض عليهم معرفة مهارات لغوية جديدة، قادرة على مواجهة المتطلبات التي وضعتها المؤسسة الجامعية.
والعودة للحديث عن تدريس اللغة العربية باللكنة العبرية تكشف لنا أن أغلب المساقات التي تعنى باللغة العربية تفرض على المحاضرين صياغة الخطة السنوية لمساقات التدريس باللغة العبرية، مع التأكيد على أنّ لغة التدريس ستقتصر أيضًا على اللغة العبرية. ذلك بالرغم من عدم وجود سياسة واضحة لدى رؤساء أقسام اللغة العربية تحدد نسبة استخدام اللغة العربية كلغة الحوار، أو لغة الكتابة في المحاضرات المقررة. ولعل التفاوت النسبي في استخدام اللغة العربية كلغة تدريس يكون بحسب توجهات الجامعة نفسها. فعلى سبيل المثال: هناك اختلاف واضح وجلي بين لغة التدريس في جامعة بار ايلان وجامعة تل ابيب؛ ففي الأولى يتم التركيز على تدريس النصوص الدينية والثقافة الاسلامية عامة، مما لا يوفر مساحة واسعة لاستخدام اللغة العربية باستثناء قراءة النص العربي الأدبي شعرًا كان أم نثرًا بهدف ترجمته ومناقشة مضمونه باللغة العبرية. وفي الثانية هناك اهتمام ملحوظ بالنص الأدبي الحديث والثقافة العربية بخاصة. الأمر الذي يمكن أن يوفر مساحة أكبر لقراءة النص الأدبي وفهمه ومناقشته باللغة العربية دونما اهتمام بقواعد اللغة العربية ومقاييسها النحوية. ونعتقد في هذا المقام أنّ سبب هذه التوجهات مرتبط بوجود عدد من المحاضرين العرب المتخصصين في الأدب العربي الحديث في جامعة تل أبيب بنسبة تفوق نسبتهم في جامعة بار ايلان. وعليه يمكن القول: إنّ توجهات الجامعات ومعاهد التعليم العالي في البلاد بشأن تدريس اللغة العربية بكل فروعها، وإن تفاوتت، تبقى خاضعة لتبعيتها السياسية واتجاهاتها الايديولوجية. وربما التقت في بعد التوجهات الاجتماعية الهامشية.
من خلال دراستي الجامعية للقب الثاني في جامعة بار ايلان واللقب الثالث في جامعة تل أبيب، تبين لي على وجه اليقين، أن الطالب العربي يتقن اللغة العربية الأصيلة ويحسن استخدامها: كتابة ومناقشة، ويعرف أصولها وقواعدها النحوية أكثر من الطالب اليهودي، بينما يتفوق الطالب اليهودي على الطالب العربي في عملية تحليل النص والاشارة إلى دلالاته المبطنة مستخدمًا ملكته وسلاسة تعابيره باللغة العبرية مما يمنحه انطباعًا بالتفوق العلمي على الطالب العربي.
اجمالاً لما تقدم يمكن القول: إنّ التمييز بحق الطالب العربي في اسرائيل لا يقف على المرافق السياسية والاقتصادية فحسب؛ وإنما تخطى ذلك ليشمل كل ما يتعلق بقضية مضامين التعلم المتنكرة لهوية الطالب العربي ولأدبه وتراثه الفلسطيني . ولعله من المفارقة الساخرة أن يتم تبرير ذلك باللجوء إلى تلفيقات علمية تكاد تقنع الأمة العربية كلها بأن الطالب العربي في اسرائيل يتساوى مع الطالب اليهودي في الحقوق الانسانية والدستورية!!
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net