قطار الربيع العربي خرج عن مساره/ بقلم: تميم منصور

كل العرب
نُشر: 01/01 15:31,  حُتلن: 07:34

تميم منصور في مقاله:

حتى الآن لم تحتضن أرض هذا الربيع غير آلاف الشهداء الذين قدموا أرواحهم على مذابح شق دروب الحرية للوصول إلى شواطىء الحياة الكريمة

الشعب المصري بحاجة إلى محو للأمية الروحية والفكرية التي تكاد أن تفتك في معظم المواطنين هم بحاجة إلى تعويض الحاضر المضرج بالهزائم

ثورة ليبيا خالية من كل ربيع اجتماعي أو سياسي حتى الآن لأن فصائل الثوار منقسمة على ذاتها كل واحد من هذه الفصائل يحاول توجيه النار إلى قرصه

ما سمي بالثورات في كل من مصر وتونس وليبيا واليمن لم يكن ميلادها عسيراً حسب مقاييس الثورات التي تركت بصمات فوق صفحات التاريخ لأنها اعتمدت على قوى خارجية إنتهازية

أين هم اليوم شباب الثورة من رجال الفكر والأكاديميين والكادحين وأبناء الفلاحين من مسيرة هذه الثورة هؤلاء وحدهم الذين واجهوا في صدورهم العارية ممارسات الرئيس التونسي المخلوع؟

حتى الآن فإن أرض ما سمي بالربيع العربي لا تزال جرداء قاحلة لم ينبت فيها سوى بعض الشجيرات الشوكية العارية وبعض النباتات الطفيلية الزاحفة والمتسلقة، جميعها غير كافية وعاجزة عن إيواء كل الذين هم بحاجة إلى ظلال لحمايتهم من حرارة العبودية والتخلف والمهانة والفقر واليأس والاستعباد. حتى الآن لم تحتضن أرض هذا الربيع غير آلاف الشهداء الذين قدموا أرواحهم على مذابح شق دروب الحرية للوصول إلى شواطىء الحياة الكريمة التي سبقتهم إليها غالبية الشعوب في العالم، ما سمي بالثورات في كل من مصر وتونس وليبيا واليمن لم يكن ميلادها عسيراً حسب مقاييس الثورات التي تركت بصمات فوق صفحات التاريخ، لأنها اعتمدت على قوى خارجية إنتهازية هدفها قيادة شراع هذه الثورات ودفعها بالإتجاه الذي يخدم مصالحها، هذا التدخل سارع في إدخال هذه الثورات في سن الشيخوخة وهي لا تزال في بداية طريقها.

ثورة الياسمين!
قيل عن ثورة تونس بأنها ثورة الياسمين لكن أحداً لم يشاهد حتى الآن تفتح براعم ياسمينة واحدة في تونس الخضراء، أين هم اليوم شباب الثورة من رجال الفكر والأكاديميين والكادحين وأبناء الفلاحين من مسيرة هذه الثورة، هؤلاء وحدهم الذين واجهوا في صدورهم العارية ممارسات الرئيس التونسي المخلوع القمعية الذي كان يعتبر نفسه فوق الجميع، وأنه يعيش خارج هذا الكوكب وما الشعب سوى مجموعات من الرعاع لا تتواجد في قاموس تطلعاته كلمة " لا " عندما كان هؤلاء الثوار يقدمون كل يوم شهيد تلو الشهيد؟ كان حكام تونس الحاليين من حركات الإخوان المسلمين لا يجرؤون حتى على دخول المساجد للصلاة، بدلاً من ذلك اختبأوا في بيوتهم ومواقعهم حتى ينجز شباب الثورة مهمتهم بعدها يتم إبعادهم بإسم الديمقراطية عن الاستمرار بتأدية دورهم وواجبهم التاريخي.

جمود فكري وإجتماعي
أسقط شباب الثورة هذا النظام على أمل أن يكون البديل نظاماً ثورياً قومياً وطنياً حقيقياً، بإستطاعته تعويض تونس عما فاتها من تخلف وجمود فكري وإجتماعي وتحويلها من دولة تابعة مجرورة مستهلكة إلى دولة منتجة قادرة بسرعة على اللحاق بمواكب التطور والتقدم التكنولوجي. لكن الثورة وشبابها أصيبوا بنكسة بعد أن تحالفت كافة القوى المحافظة من الإخوان المسلمين وحلفائهم من الطبقات المسحوقة من فقراء وعاطلين عن العمل وطوابير الشباب الذين كانوا ينتظرون الهجرة القسرية من الوطن، وصل هذا التحالف إلى سدة الحكم بدلاً من أن يكون شباب الثورة في هذا الموقع، حتى الآن فإن نظام الحكم الجديد في تونس لا يزال مغموراً وهناك العديد من مواقف الحكومة مليئة بالتناقضات فهي تفتقر إلى نهج قومي وطني ينسجم مع روح الثورة التي وصلت بفضلها إلى سدة الحكم.

موقع تونس
لم يتغير موقع تونس العربي كدولة ضعيفة مسايرة ومسيّرة في سياستها العربية وسياستها العالمية، لم تغيّر من تبعيتها إلى واشنطن والدول الأوروبية خاصةً فرنسا، ولا تزال تونس مسرحاً للمخابرات الإسرائيلية ومركزاً سياحياً للإسرائيليين الذي لا ينقطع وجودهم في جزيرة جربه، فقد حولوها إلى وكر صهيوني ، أين ربيع هذه الثورة؟ هل معاداتها وانضمامها للحلف غير المقدس بقيادة حمد ومرتزقته ضد أخر قلعة عربية لا زالت تقول نعم للمقاومة ولا لهيمنة واشنطن، هذا هو الإنجاز الوحيد الذي حققته ثورة تونس، الحكومة التي أفرزتها هذه الثورة رخوة مثل لعاب البزاقة، لا تملك الجرأة على الطلب من علة العرب السعودية بإعادة الأموال التي نهبها علي زين العابدين ولم تجرؤ على الطلب بتسليم هذا الطاغية للعدالة التونسية.

ثورة مصر
أما مصر فإن الثورة فيها لا تزال تتخبط وتقف فوق تربة متحركة لأنها ليست صلبة، فطلائع الثوار الذين أسقطوا نظام مبارك أصبحوا ضحايا نظامه البائد، كل يوم يتم الإعتداء عليهم وكانت أخر هذه الاعتداءات المجزرة التي نفذها الرعاع من الطابور الخامس مرتزقة مبارك بعدد من شباب الثورة من مؤيدي النادي الأهلي في مدينة الشهداء بور سعيد ،على مرأى ومسمع من الأجهزة الأمنية التي يقودها المجلس العسكري، لقد أثبت هذا المجلس بأنه يحكم مصر بعقلية عهد مبارك ويتعامل معها بعيون أمريكية. فهو حتى الآن لم يخمد نيران الفتن الطائفية، ولم يكبح جماح عصابات البلطجية وأعداء الثورة الذين يغذيهم أعوان النظام السابق، تجاهل هذا المجلس قيادات شباب الثورة في حين تعاون مع الحركات والأحزاب التقليدية وفي مقدمتهم الإخوان المسلمين وحلفائهم، عقد تحالفاً معهم تحت غطاء أمريكي وترك هذه القوى تستبيح الشارع الشعبي المصري الضائع الجائع البائس، كانت النتيجة أن جنى هذا التحالف كل ثمار الثورة فلم يتغير وجه مصر التقليدي البعيد عن أية روح ثورية،وهذا حال دون بزوغ فجر ربيع عربي مصري جديد حتى الآن، الشعب المصري بحاجة إلى محو للأمية الروحية والفكرية التي تكاد أن تفتك في معظم المواطنين، هم بحاجة إلى تعويض الحاضر المضرج بالهزائم.

الثورة في ليبيا
أما ثورة ليبيا فإنها خالية من كل ربيع اجتماعي أو سياسي حتى الآن، لأن فصائل الثوار منقسمة على ذاتها، كل واحد من هذه الفصائل يحاول (توجيه النار إلى قرصه) يوجد لكل قائد من قادة الثورة العسكرية ميليشيات تابعة له تتلقى الأوامر منه، هناك ميليشيات منطقة الزنتان وميليشيات مصراته وطرابلس وبنغازي والجبل الغربي وبني وليد وغيرها.

إذاً أين الربيع الذي نما داخل تربة هذه الثورة؟
هل رياح الاستسلام والطاعة القطرية القادمة من قاعدة عيديد الأمريكية قادرة على تطهير ليبيا من دنس حكم القذافي المارق، أما الرياح القادمة من القاعدة الأمريكية في البحرين عاجزة عن صنع ليبيا جديدة، هاتان المشيختان حليفتان للنظام الجديد في ليبيا تدعمها الرياض المرجعية الأساسية للأمريكان في العالم، إن الذي يحاصر شعبه ويحرمه من الحرية لا يستطيع منح هذه الحرية للأخرين لأن العبد لا يحرر العبد. الإنجاز الوحيد الذي حققته الثورة في ليبيا حتى الآن هو الانضمام إلى الحلف المتآمر على حركة التحرر العربية أو ما تبقى منها، رؤوس وأذناب هذا الحلف معروفة، أما الإنجاز الثاني الذي حققته هذه الثورة أيضاً هو إمتداد أيادي هؤلاء الثوار إلى النصب التذكاري للرئيس الخالد جمال عبد الناصر في مدينة بنغازي والقيام بتحطيمه، هذا يؤكد أن العهد الجديد في ليبيا ولد بدون هوية قومية أو وطنية وأنه مكلف من قبل الرجعية العربية والقوى الامبريالية التي يقودها الإخوان المسلمون اليوم بمحاربة الأسس والثوابت القومية والفكرية والإجتماعية التي فجرها عبد الناصر .

جذور الربيع
جميع الشعوب المتحضرة تقدر قادتها وتنحني أمام تاريخهم وانجازاتهم، هكذا فعل الشعب الروسي مع زعيمه لينين والصيني مع ماوتسي تونغ والهندي مع غاندي ونهرو والفيتنامي مع الجنرال جياف والكوبي مع كاسترو والأندونيسي مع سوركانو. ان النتيجة الحتمية لهذه الثورات حتى الآن هي انها لا يمكن ان تدخل الى مصاف الثورات العظمى التي دخلت التاريخ، ولا يمكن ان تدخل مسارها الصحيح دون العودة إلى بذور وجذور الربيع الذي صنعه عبد الناصر قبل أربعة عقود ونيف.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة