هَاتِ الْمُدَامَ لَعَلَّ الْكَأْسَ تُنْسِينَا جُرْحًا أَلِيمًا وَدَمْعًا فِي مَآقِينَا
فَلَوْ سَأَلْتُمْ عَنِ الْخَنْسَاءِ فِي وَطَنِي كُنْتُمْ وَجَدْتُمْ مِنَ الْخَنْسَاءِ مَلْيُونَا
لكِنَّ كَأْسِي جُفُونُ الْقَلْبِ تَمْلأُهَا دَمْعًا سَكُوبًا وَخَمْرًا مِنْ مَآسِينَا
إِذْ لاَ أَزَالُ أَرَاكَ الْيَوْمَ يَا وَطَنِي كَمَنْ يُفَتِّشُ وَسْطَ الْبَحْرِ عَنْ مِينَا
فَالْمَوْتُ يَمْشِي عَلَى أَكْتَافِهِ وَلَدٌ وَقَلْبُ أُمٍّ وَبَعْضٌ مِنْ أَغَانِينَا
وَاللَّيْلُ يَلْدَغُ شَمْسَ الصُّبْحِ مُشْرِقَةً فَيَسْقُطُ النُّورُ مِنْهَا فِي لَيَالِينَا
وَذِي العَصَافِيرُ لَوْ غَنَّتْ أَغَانِيَهَا خِلْتَ الأَغَانِيَ عِنْدَ الصُّبْحِ تَأْبِينَا
وَالعُمْرُ يَجْرِي كَنَهْرٍ تَائِهٍ أَبَدًا وَالأُمَّهَاتُ عَلَى الأَطْفَالِ يَبْكِينَا
يَلْبَسْنَ ثَوْبًا يَدُ الأَحْزَانِ تَنْسُجُهُ يُخْفِينَ فِي الصَّدْرِ مَا تُخْفِي البَرَاكِينَا
حَتَّى اسْتَحَالَتْ حُقُولُ القَلْبِ مَقْبَرَةً يَزْرَعْنَ فِيهَا مِنَ الأَطْفَالِ نِسْرِينَا
يَا لَيْتَ لِلْمَوْتِ قَلْبًا مِثْلَ عَاطِفَتِي حَتَّى يَرِقَّ لِطِفْلٍ فَوْقَ أَيْدِينَا
مَاذَا دَهَانِي أَرَى قَلْبِي يُعَاتِبُنِي وَالشَّوْقُ يَحْمِلُ تَحْتَ الصَّدْرِ سِكِّينَا
أَمْشِي غَرِيبًا كَأَنِّي لَسْتُ فِي جَسَدِي فَأَرْكَبَ الرُّوحَ رِيحًا صَوْبَ أَهْلِينَا
يَا مَنْ ظَنَنْتُمْ لَعَلَّ الظَّنَّ يَنْفَعُكُمْ أَنَّ الْمَجَازِرَ فِي شَعْبِي سَتُفْنِينَا
بَلْ نَحْنُ شَعْبٌ، إِذَا هُدَّتْ مَنَازِلُنَا ظَلَّتْ مَرَابِـعُنَا بَيْتًا يُرَبِّينَا
فَلْنَبْقَ جِيلاً يَرُدُّ الدَّهْرَ فِي جَلَدٍ وَيَجْعَلُ الْحُبَّ فِي أَخْلاقِهِ دِينَا
وَلْنَبْقَ جِيلاً صَبَاحُ الْعِلْمِ بَسْمَتُهُ حَتَّى تَفُوقَ يَدَ الْمِرِّيخِ أَيْدِينَا
وَكَمْ شَرِبْنَا بِكَأْسِ الدَّهْرِ عَادِيَةً لَمْ نَنْسَ يَوْمًا وَلَنْ نَنْسَى فِلَسْطِينَا
(كفرسميع)