* كم كانت مفاجئتنا كبيرة بل وصاعقة عندما تناهى إلى سمعنا موافقتكم على المشاركة في اللقاء الثلاثي الذي تم في نيويورك
* أي تعاون مع هذه المكيدة التي تحاك ، والتي لا تخفى على سيادتكم ، سيضر بشكل بالغ بالمصلحة الفلسطينية ، ولن يفيد إلا إسرائيل ومؤيديها حول العالم
* ليس هنالك ما يمكن أن يخسره الفلسطينيون إن كان موقفهم في هذه المرحلة ثابتا ثبات الجبال ، ما دام هذا الموقف منحازا إلى الحق الفلسطيني ولو مؤقتا
حضرة السيد محمود عباس / أبو مازن – حفظه الله – 5 شوال 1430 هجرية
رئيس دولة فلسطين المحترم الموافق 24 أيلول 2009
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
لقد استبشرنا خيرا حينما أطلق الرئيس الأمريكي أوباما دعوته إلى وقف / تجميد الاستيطان الإسرائيلي في الضفة والقدس المحتلتين كجزء من رؤيته لعملية سلام جدية في الشرق الأوسط ، وما زلنا نشعر بأن الموقف الأمريكي ثابت بدرجة كافية ، رغم غياب الخطة الواضحة التي من المفروض أن تنتقل الإدارة الأمريكية لتنفيذها في حال بقيت الحكومة الإسرائيلية على عنادها الذي نراه اليوم ، وإصرارها على رفض أية صورة من صور تجميد الاستيطان ولو بشكل مؤقت ، وخصوصا في القدس الشرقية المحتلة .
بغض النظر عن تقييمنا للموقف الأمريكي ، ورَأْيِنا فيما ستنتهي إليه السياسة الأمريكية ، لا بد من التحذير هنا إلى أن أي ( تَلْيِينٍ ) في الموقف الفلسطيني أو العربي والإسلامي ، يمكن أن يشكل ضربة قاصمة لموقف أوباما ، لقد رأينا في إصراركم على رفض مجرد اللقاء بنتنياهو لا هنا في فلسطين ولا هنالك في نيويورك ، الموقف الذي نثمنه ونجله إلى أبعد حد ، هو الموقف المطلوب الذي لا مساومة عليه ، وهو الموقف الأقوى لانسجامه مع الشرعية الدولية وروح الموقف الأمريكي ، وذلك في ملف يعتبر واحدا من اخطر الملفات المتعلقة بالقضية الفلسطينية ، والمدخل لأية عملية سلام يمكن أن تفضي إلى حل ما يحقق للشعب الفلسطيني آماله الوطنية ...
كم كانت مفاجئتنا كبيرة بل وصاعقة عندما تناهى إلى سمعنا موافقتكم على المشاركة في اللقاء الثلاثي الذي تم في نيويورك باشتراك الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي ، الأمر الذي خيب آمال الكثيرين من الذين علقوا آمالا عريضة على ثبات الموقف الفلسطيني في وجه الرفض والاستهتار الإسرائيلي، رغم تأكيد الناطقين باسم سيادتكم أن اللقاء لا يعني بدأ المفاوضات .
من خلال متابعاتنا لردود الفعل الإسرائيلية قبل اللقاء وبعده ، نستطيع التأكيد على ( نشوة !! ) الانتصار التي تشعر بها الحكومة ابتداء من رئيس الوزراء وانتهاء بأصغر وزير، لا توصف... الكل يتحدث على أن الرهان الإسرائيلي والصهيوني العالمي على تغيير حتمي في الموقف الأمريكي وبالتالي الفلسطيني ، دون أن تضطر الحكومة إلى دفع أي ثمن ، قد فاز وبالضربة القاضية ، وفي مدة قياسية أذهلت المراقبين وحتى دهاة السياسيين ... من رأى نتنياهو ووزراءه يفركون أكفهم لتراجع العالم أمام عنادهم ، والذي أثبت في نظرهم وحسب زعمهم ( صدق !!! ) الموقف الإسرائيلي الرافض لأي تنازل مهما كان بسيطا ومؤقتا ، كمقدمة لإجراء مفاوضات لن تؤدي إلى شيء ، سيقف على عظيم الخطأ الذي ارتكب عند الموافقة على اللقاء الثلاثي ، حتى وإن جاء ( مَسْكًا لخاطر ) الرئيس اوباما ...
ومع ذلك ، وبالرغم مما جرى ، فإنه لا يخفى على سيادتكم أن الموقف الفلسطيني الرافض لأي اتصال مع الجانب الإسرائيلي ما لم يتحقق الشرط الأمريكي ، لا بد أن يعود للواجهة من جديد رغم ما أصابه من ثَلْمٍ ، لأنه بدأ يحظى بتفهم عالمي إن لم يكن من اجل ( عيون ) فلسطين والفلسطينيين ، فمن أجل ( عيون ) الرئيس الأمريكي ، والذي وضع مصداقيته على المحك بسبب مطالبته تجميد الاستيطان ، إلى درجة لا أتصور أن يتراجع عنها من تلقاء نفسه ، مهما مارست ( اللوبيات ) الصهيونية من الضغوط ، ومهما كان حجم الكيد والتآمر الخفي والعلني ضده من الجهات المساندة لإسرائيل ، الأمر الذي يجب أن نستفيد منه إلى أبعد الحدود ، خصوصا وان أي اتصال مع إسرائيل في هذه المرحلة لن يحقق شيئا للفلسطينيين من جهة أولى ، كما لم يحقق هذا النوع من الاتصال مع حكومات سابقة اعْتُبِرَتْ أكثر ( انفتاحا!!! ) أي إنجازات تُذْكَر ، كما وسيضعف موقف الرئيس أوباما وسيحقق لمؤيدي إسرائيل ما أرادوا من جهة ثانية ، وسيعيد إسرائيل إلى مركز دائرة الضوء ( كلاعب بريء ) لا تتحمل شيئا من المسؤوليات عن الانسداد السياسي الحالي ، في الوقت الذي تقف ، أي إسرائيل ، اليوم ( كمتهم وحيد ) في نظر العالم ، تتحمل وحيدة تبعات المخاطر التي تتهدد المجتمع الدولي بسبب تعنتها ورفضها التعاون ولو في حده الأدنى ، من جهة ثالثة ...
من غير أن ( أسيئ الظن !!! ) بالرئيس الأمريكي شخصيا ، وإن كنت أسيئ الظن كثيرا في ( الإستابلشمنت / المؤسسة ) الأمريكية ، فإني لا أستغرب أبدا أن هنالك من الدوائر من يعمل ليل نهار ، في التخطيط لوضع مخرج مناسب يمنع حرج الإدارة الأمريكية والرئيس أوباما المستمر ، وبما لا يخدش نسيج العلاقة الإستراتيجية بينها وبين إسرائيل ... لن يكون احترام الشرعية الدولية والالتزام بها العقبة أمام تحقيق هذا الهدف ، فالشرعية الدولية في كل ما يتعلق بإسرائيل استقرت في أسفل الاهتمامات والأولويات الأمريكية ، إلا أنها ستلجأ قريبا ، ولعلها بدأت فيما رأيناه من زيارات المبعوث ( ريتشارد ميتشل ) في المنطقة مؤخرا ، وفي اللقاء الثلاثي في نيويورك ، في ممارسة الضغط على القيادة الفلسطينية ، وعلى أطراف عربية وعلى رأسها مصر والسعودية ، في سبيل أن تتخذوا القرار ( بإذابة الجليد ) مع إسرائيل حتى قبل أن تتخذ قرارا واضحا وصريحا بوقف / تجميد الاستيطان ، فتحقق الإدارة الأمريكية مجموعة أهداف دفعة واحدة ، من أهمها ، أولا - إنهاء حرج الرئيس الأمريكي ، وثانيا - نقل الكرة إلى اللاعِبِينَ في المنطقة : فلسطين وإسرائيل والعرب ، بدل أن تظل في الملعب الأمريكو – إسرائيلي ، والعودة إلى معادلة المفاوضات المباشرة دون ضغوط خارجية ، والتي أثبتت فشلها منذ أوسلو إلى الآن ، وثالثا – إخراج إسرائيل من دائرة العزلة ، والرجوع إلى منطق إن الأطراف كلها تتحمل المسؤولية بشكل متساوي ...
ما من شك في أن أي تعاون مع هذه المكيدة التي تحاك ، والتي لا تخفى على سيادتكم ، سيضر بشكل بالغ بالمصلحة الفلسطينية ، ولن يفيد إلا إسرائيل ومؤيديها حول العالم ، كما وسيكون لها من النتائج السلبية ما لن تقوم معه للقضية الفلسطينية قائمة بعدها.
ليس أمام الشعب الفلسطيني قيادة وشعبا إلا أن ينتهز هذه الفرصة الذهبية التي أطلقها أوباما ، وعلى القيادة الفلسطينية أن تنسق الموقف مع الدول العربية الفاعلة حتى لا تؤتى من قِبََلِها ، وأن تذهب مع الشروط الأمريكية لإسرائيل إلى نهايتها ، فليس هنالك ما يمكن أن يخسره الفلسطينيون إن كان موقفهم في هذه المرحلة ثابتا ثبات الجبال ، ما دام هذا الموقف منحازا إلى الحق الفلسطيني ولو مؤقتا ...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم /الشيخ النائب إبراهيم صرصور
رئيس الحركة الإسلامية
ورئيس القائمة الموحدة والعربية للتغيير