الرئيسية مقالات

مغزى الاحتفاء بالنصر والتعويض السياسي لإسرائيل

أمير مخول
نُشر: 03/07/25 07:20,  تحديث: 09:59
مغزى الاحتفاء بالنصر والتعويض السياسي لإسرائيل

في حديثه لوسائل الاعلام يوم الاول من تموز/يوليو 2025 تطرق ترامب الى زيارة نتنياهو الى واشنطن الاسبوع المقبل مؤكدا ان الزيارة ستكون "احتفالا سريعا بالانتصار (على إيران) .. وانه تم تدمير كل المنشئات النووية الايرانية "وعلينا ان نحتفي بذلك مع الطيارين الابطال".

تمنى ترامب ان يتم ابرام الصفقة خلالها، ثم غير لهجته الى التأكيد بانه سيكون "حازما جدا بصدد انهاء الحرب في غزة" وعلى ثقة بأنه ستكون صفقة الاسبوع المقبل.

على وقع الاستعدادات لهذه الزيارة التي تقدر الأوساط السياسية الإسرائيلية بانها تتجاوز الاحتفال، تشهد الساحة الحزبية انزياحات وتحولات مهمة وجدل لافت:

 يدور نقاش حاد وصدامي في الكابنيت الاسرائيلي وحصريا بين رئيس الاركان زامير والوزراء سموتريش وبن غفير، حين يؤكد زامير بأن المهام الحربية قد استنفذت، وان الجيش قد احتل ثلاثة ارباع القطاع و"بقيت قضية المحتجزين والأسرى. فيما يشدد سموتريتش بأن الانتصار لا يمكن ان يكون رهينة لعودة الاسرى، وانهم يشكلون ملفا مهما لكن الاهم هو الانتصار الساحق.

تقدر بعض المصادر ان مواقف زامير منسقة مسبقا مع نتنياهو الذي يلاحَظ مؤخرا ابتعاده عن سموتريتش وبن غفير وانه يبدي عدم اكتراث لمواقف كل منهما وحصريا خلال وبعد الحرب مع إيران، حيث تتراجع شعبية كل منهما بشكل ملحوظ، فيما ان الضغوطات الامريكية لا تترك له مجالا للمناورة او للتلويح بأنه واقع تحت ضغوطات من كليهما تحول دون ابرامه للصفقة في غزة. كان لافتا تأكيد رئيس الأركان في الأول من تموز  بأن "حماس باتت تنظيما ميّتا"، وهو تعبير يتم استخدامه للمرة الاولى بمعنى حسم نتيجة الحرب.

بموازاة ذلك يتسع نطاق النقاش الاسرائيلي حول "مؤسسة غزة الانسانية" واخفاقها في توزيع المساعدات وكذلك الشهادات من جنود بأنها باتت مصيدة لقتل الفلسطينيين على مدار الساعة وبأعداد هائلة يوميا تفوق المائتين. كما تعارض مصر وقطر هذه الالية الاحتلالية الحربية تحت مسمى المساعدات باعتبارها آلية لمنع ادخال المساعدات الانسانية ولمنع المنظمات الانسانية الاممية من القيام بدورها وكذلك آلية لتعويق اعادة اعمار القطاع وادارته عربيا – فلسطينيا.

تتحدث ادارة ترامب عن مفهوم جديد غير مسبوق وهو "التعويض السياسي لاسرائيل" مقابل انهاء الحرب على غزة. وقد أثيرت التساؤلات حول مغزى ومضمون عبارة إدارة ترامب وهي "التعويض غير المسبوق" لإسرائيل مقابل إنهاء الحرب على غزة، يأتي ذلك في وقت كان الخطاب الدولي ينحو عمليا نحو فرض عقوبات على اسرائيل ومسؤوليها؟

تساءلت المصادر الإسرائيلية، ما اذا كانت تصريحات السفير الامريكي في اسرائيل مايك هاكبي ، التي حث فيها الرئيس ترامب على استخدام القاذفات العملاقة من طراز بي52 لضرب مواقع الحوثيين في اليمن، تدخل في إطار "احتفالية" ترامب – نتنياهو والتعويض الأمريكي لاسرائيل.  أو ان تكون "الاحتفالية " والتعويض المنتظر، تتماشى مع الشهادات التي قدمها قادة الاستخبارات العسكرية وممثل الموساد امام المحكمة الاسرائيلية لتبرير تأجيل جلسات المحكمة التي تنظر في ملفات نتنياهو لمدة اسبوعين.

وفقا التقديرات الاسرائيلية غير الرسمية فالحديث عن التعويض بالتطبيع بين دول عربية معينة وبين اسرائيل. فيما تد رك الادارة الامريكية بأن اسرائيل غير جاهزة وليست معنية بدفع استحقاقات التطبيع خاصة مع العربية السعودية والاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة.  كما يتسع نطاق التقديرات بأن سوريا هي المرشحة حاليا للتطبيع بينما تضع اسرائيل شروطا لذلك وهي التنازل السوري عن الجولان المحتل منذ 1967. فيما يطرح مفهوم جديد للتطبيع يقوم على اجبار النظام في دمشق على اتفاق أمني برعاية امريكية تركية. وتأتي مصادقة ترامب على إلغاء جزئي للعقوبات على سوريا ضمن هذا المسعى.

في ضوء ما يجري في الضفة الغربية من تهجير مناطق مختلفة من سكانها وتقطيع اوصال القرى والمدن، فان التعويض السياسي لإسرائيل، يمكن ان يتضمن ضم مناطق معينة في الضفة الغربية وهو ما يجري الحديث عنه اسرائيليا مؤخرا بالإشارة الى منطقة الخان الاحمر التي تبتر الضفة الغربية شمالا وجنوبا، وكذلك في منطقة الخليل ومسافر يطا التي تتسارع فيها عملية التطهير العرقي.

في مناقشة مغزى فكرة التعويض السياسي أيضا، يبدو ان الاتجاه قد حسم امريكيا بإنهاء الحرب حتى ولو من خلال دفعتين من صفقة التبادل ووقف إطلاق النار. هذا الامر وفقا لإدارة ترامب لا يملك اي سياسي اسرائيلي القدرة على جعله نافذا الا نتنياهو. وعليه فالتعويض الشخصي للأخير يتم بتدخل ترامب المباشر والعلني بوقف محاكمة نتنياهو، فيما ترامب غير مكترث لحيثياتها بينما يريد ارضاء نتنياهو لأمر ما وهو تطويعه في خدمة اوليات الرئيس الامريكي.

يبقى التساؤل حول مغزى ترامب من الحديث عن احتفالية النصر، هو ونتنياهو والطيارين. هناك تباين كبير ما بين التقديرات الاسرائيلية والامريكية، إذ يؤكد ترامب ان طائرات بي2 قد قضت على المشروع النووي الايراني، يشكك الجانب الاسرائيلي في ذلك ويتضح استخباراتيا ان الدمار لم يقض على المشروع الايراني، مما يتطلب وفقا لإسرائيل الابقاء على المجال الجوي الايراني المفتوح امام الطائرات الحربية الاسرائيلية، ويتطلب ضربات جديدة للمنشئات الايرانية، اي تجدد الحرب، رغما عن الانكشاف للثمن الباهظ والدمار الجوهري الذي احدثته الصواريخ الايرانية.

التقدير أيضا ان ترامب المعني بوقف الحرب نهائيا بين اسرائيل وإيران، وهو ايضا موقف الدول العربية عموما والخليجية تحديدا، فـ"الاحتفالية" تعني قبولا اسرائيليا بالرواية الامريكية وبانتهاء الحرب مع ايران، و، وهو يعني حربا مفتوحة.

في الخلاصة فإن التقدير بأن الفترة المقبلة وحتى ابرام الصفقة في حال أبرمت، ستشهد تصعيدا هو الاكثر كثافة في نطاق عملية "عربات جدعون" الابادية، وعمل خمس فرق عسكرية اسرائيلية في القطاع، ويبدو انها تتجه نحو احتلال كامل القطاع حتى بدون الاعلان عن ذلك، لدرجة تم تنبيه سكان البلدات الاسرائيلية المحيطة بقطاع غزة بصدد التفجيرات الضخمة التي ستحدث في هذه الايام.

دون اي تفاؤل بصدد المستقبل القريب، الا ان الضغوطات الامريكية لأنهاء الحرب باتت اكثر فاعلية ويشكل التدخل في شؤون اسرائيل الداخلية السياسية والقضائية مؤشرا لذلك.

العناق الذي يعلنه ترامب لنتنياهو يبدو اقرب الى "عناق الدب" الذي لا يستطيع نتنياهو الافلات منه، ويسلّم بأن مفاتيح القرار الاسرائيلي في يدي واشنطن، ويتضح انه يفضل ان يأتي قرار وقف الحرب على غزة من ترامب كي لا يتحمل تبعاته وفقا لحساباته السياسية، وهو كما حصل مع وقف اطلاق النار مع ايران.

فكرة "التعويض السياسي لإسرائيل" الذي يمكن ان تتسع دائرته، يتطلب مواجهته عربيا وحصريا منع ضم مناطق في الضفة الغربية ومنع انسياق ادارة ترامب وراء مساعي حكومة اسرائيل تقويض السلطة الفلسطينية ضمن المسعى لمنع قيام دولة فلسطينية وسلام واستقرار دائمين.

(مركز تقدّم للسياسات)