كتاب “زنابق الأيام”* للكاتب زهير دعيم، سلاسة في اللغة والتعبير وغوْص في التأمُّل والتفكير .

زياد شليوط
أطل علينا الصديق الشاعر والكاتب المبدع زهير دعيم، مؤخرا بكتاب أسماه “زنابق الأيام”، أخبرنا عنه أنه “اضمامة من الزنابق الملونة بهمسات الروح”، وهو كذلك. وتلك الاضمامة يصعب الجزم أنها مقالات فهي تقترب أكثر إلى الخواطر، لذا يجوز لنا القول إنها مقالات أدبية نثرية مشبعة بلغة شاعرية جميلة معطرة بأفكار اجتماعية وأدبية وروحية وإنسانية هادفة وذات رسالة واضحة.
حقيقة يصعب الإلمام بكل ما ضمه الكتاب من مقالات وأفكار وآراء في عجالة تقريظية، لذا أكتفي بالتطرق إلى إضمامتين من تلك الإضمامات الجميلة التي احتواها الكتاب، إضافة إلى تناول مواقف هامة في قضايا أدبية حساسة.
• الاضمامة الروحية “همس الروح”:
في المقال الأول “إني أعترف” يأخذنا الكاتب مباشرة الى كرسي الاعتراف في الكنيسة، لكن كاتبنا وبدل أن يعترف أمام الكاهن نجده يعترف أمام السيد المسيح مباشرة. عنصر المفاجأة هنا أن الكاتب لا يعترف لسيده بل لأجله، يعترف بأن سيده “فوق المعقول والمحدود والمتناهي” (ص 50) ويعلن له الولاء.
وفي المقال الثاني “الكتاب الأروع” وهو الكتاب المقدس بلا منازع وخاصة الانجيل. ونجده يخاطب الله مباشرة ودون وساطة في “صلوات صغيرة”.
ويوجه النقد المبطن في “هكذا أنا أصوم وأصون”، (ص 63) وهذا ويذكرني بالشاعر الفلسطيني الراحل راشد حسين، عندما قال في هذا الصدد:
“يا أخي هل تصوم في الصوم حبا أم ترى فيه مهربا من جهنم”.
ويستهل زهير مقالة “العذراء مريم المرأة الطاهرة” بأسلوب قصصي جميل، يدل على موهبة ومقدرة الكاتب في اختيار الأسلوب الأدبي والقالب الذي يرغب فيه ويليق بالمناسبة والحدث، والحدث هنا هو البشارة، من أجمل ما حصل للقديسة مريم (ص 65). بعدها يعرج على القديسة مريم بواردي بقصيدة جميلة. أما في مقالة “يسوع أنت فصح السماء”، والذي خطه بمناسبة قيامة الفادي وما تعلمنا إياه من مواعظ في الحياة “يعجز العقل عن استيعابها” كما يقول، ومنها: احتمال العذاب غير العادي (ولنا عبرة اليوم) التسامح والمحبة، كشف الغرور البشري السخيف مقابل التواضع.
• اضمامة “فوح وحنين” التي خص فيها الأم
يحدد لنا الكاتب زهير دعيم ومنذ البداية، شكل علاقته بوالدته في المقال الأول “أماه .. أنت لوحة الأزل”، حيث ينزلها منزلة القداسة وفيه شيء من روح جبران وأسلوبه: فهناك قلب يخفق بحبي، وروح تناجي روحي، وملاك من بشر يسدد خطواتي.” (ص 145). ومن شدّة انفعال الكاتب واعجابه بأمه، عاد لينشر ذات المقال (ص 156) لكن بعنوان آخر مشابه “أمي.. أنت لحن الحياة”.
ويعود دعيم ثانية ليمنح الأم القداسة والطهر لأم في مقالة، “أمي.. بعض من قداسة”:
“أتراك جُبلت من طين القداسة؟ أتراك عُمِّدتِ في نهر الأردن؟ أتراك ملاك في ثياب بشر” (ص 149-150).
في محراب قداسة الأم، لا يتردد كاتبنا في توجيه النقد للمجتمعات الشرقية، التي تخنق الأم حين تخنق حريتها (ص 153)، إضافة إلى نقده للغة العربية التي تظلم الأنثى “في عيدك تتفتح الأزاهير” (ص 159). ويدعو بالتالي الى اطلاق سراح المرأة من ظلم الرجل لها، ويعترف بعجز الرجال عن الوصول الى “نصف ما تعطيه المرأة” (ص 154). وهكذا نلمس تحيّز الكاتب ومناصرته للمرأة العربية – الشرقية، لأنه يرى فيها شخصية الأم، التي تصل علاقته بها حد العبادة.
• آراء في قضايا أدبية مستعصية
يتوقف الكاتب عند قضايا أدبية تشغل بال المنغمسين في الأدب وهمومه، واخترت الإشارة إلى قضيتين هامتين وحارقتين، ولمست أنهما تثيران مشاعر وأعصاب الكاتب نفسه، أسوة بالكثيرين الذين يشاركونه الهم والرأي.
المسألة الأولى تتناول لغتنا العربية وتيسيرها، وقد كنت شاهدا في الفترة الأخيرة على نقاشات عديدة تتناول هذا الموضوع، وتختلف فيه الآراء وتتعدد الاقتراحات منها ما يدعو إلى تيسير لغتنا، وإزالة التعقيدات والاستثناءات، لتصبح قريبة الى العصر ويتمكن منها أبناؤها، الذين يعيشون في عصر لا يشبه العصر الجاهلي أو العصور القديمة بأسرها.
يتناول كاتبنا الموضوع في مقالين في القسم الأول من الكتاب، ولا شك أن عنوان كل مقال يوجز ويلخص ما يذهب اليه الكاتب ورأيه في الموضوع: “زيتونة اللغة العربية تنتظر التشذيب” و” لغة الحياة، لا لغة التكلف” (ص 19 و39)، نفهم من عنواني المقالين بأن كاتبنا يؤيد تيسير اللغة العربية وتحويلها الى لغة الحياة وليس لغة المتاحف والتراث، كذلك يدعو الى تشذيب لغتنا التي يشبهها بالزيتونة ليدل على مدى محبته واخلاصه لهذه اللغة المباركة أسوة بشجرة الزيتون. وهذا العنوان كذلك يذكرني بمقولة عميد الأدب العربي طه حسين الخالدة: “لغتنا العربية يسر لا عسر، ولنا أن نضيف إليها كما أضاف القدماء منا”.
أما المسألة الثانية والتي يتعرض لها كاتبنا في مقالين آخرين هي مسألة أدب الأطفال وبالتحديد الاسهال في اصدار الكتب في هذا الجانر: “الكتابة للأطفال… ليست لعبة أطفال!!!” و” سيل جارف في أدب الأطفال” (ص 25 و30).
ينتقد الكاتب كثرة الكتاب اللاجئين الى كتابة قصص الأطفال، دون تمكن ودراية بخصوصية هذا الأدب، وكيفية تناوله ابداعيا بعبارات مثل: “تسيّب وتسيّب ما بعده تسيّب.. الكل أضحى كاتبا للطفولة” (ص 27) أو: “لقد بات الأمر مقلقا، ووجب أن نضع حدا لهذه الظاهرة المقيتة”. (ص 32) لكن كيف ومن هو المخوّل للقيام بهذه المهمة؟ فكثيرا ما تداول الكتاب في هذه المسألة -كما يشير كاتبنا- وطرحت عشرات الاقتراحات لكنها لم تأت بنتيجة، وهذا ينسحب على محاولة “الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين – الكرمل 48” في اقامة مجلس لأدب الأطفال قبل ثلاث سنوات، لم ينجح في التغلب على هذه الاشكالية التي تقلق بال الجميع. فهل يكون الحل بإقامة “لجنة واعية من الأدباء تدرس كل قصة قبل أن تصل الى دور النشر؟” (ص 33). إنه اقتراح جدير بالدراسة، لكن هل هو اقتراح عملي ومقبول على الجميع، أو على الأغلبية من كتاب قصص الأطفال؟!
كان يمكن الولوج إلى جميع القضايا التي يثيرها كاتبنا زهير دعيم في كتابه الجميل والظريف هذا، لكن ذلك يحتاج إلى دراسات ونقاشات مطولة وهيهات أن نخرج منها متفقين. ولا يسعني في نهاية المقال إلا الشدّ على يدي الصديق الكاتب والشاعر المبدع زهير دعيم، متمنيا له مزيدا من العطاء والإصدارات الهادفة، متمنيا عليه ألا ينساق وراء تفكيره بالتوقف عن الكتابة للأطفال، خاصة وأنه يعتبر من رواد هذا الجانر الأدبي وأحد الكتاب الماهرين والراسخين فيه.
زهير دعيم – زنابق الأيام، دار سهيل عيساوي للطباعة والنشر، كفر مندا،