تمكين دور ووظيفة المستشارات لتعزيز مكانة المرأة في السلطات المحلّيّة العربية - من أجل أولئك المنسيّات على الهامش

تمكين دور ووظيفة المستشارات لتعزيز مكانة المرأة في السلطات المحلّيّة العربية - من أجل أولئك المنسيّات على الهامش
بقلم - روان حلبي
في وقتٍ تتبدّلُ فيه خطوط المواجهة باستمرار، وتظلُّ تحت ضبابيّة غير واضحة، تبقى هناك جبهة واحدة ثابتة لا تتغيّر: الجبهة المنزليّة والمجتمعيّة، وهي جبهة تتحمّل النساءُ عبئها ووطأتها في معظم الأحيان. يومًا بعد يوم، ودون إقرار علني من الرأي العام، ودون إصغاء كامل ولا تمثيل حقيقي، تكافح نساءٌ كثيرات في هذه الأيّام أمام ضوائق وصعوبات اقتصاديّة وتحدّيات نفسيّة، إلى جانب قلقٍ وجودي على سلامتهن وحياتهن نتيجة انعدام وسائل الحماية والرعاية. مع ذلك، ما تزال أصواتهن خافتة -إن لم تكن مغيَّبة- لا تُسمَع بما يكفي، ولا يُلقى لها بال في دوائر اتّخاذ القرارات.
كمنظّمة تُعنى بحقوق النساء، نعمل ضمن مساراتٍ عديدة على مرافقة المستشارات لتعزيز مكانة المرأة، وتعزيز التفكير الجندري وتذويته في السلطات المحلّيّة العربيّة. ومن موقعنا هذا، نعايش يوميًّا الواقع على حقيقته، ونشهد على موجةٍ متصاعدة من التوجّهات الّتي تصل للمستشارات في الأيّام الأخيرة، والّتي تعكس أزمة عميقة وخانقة، تعيشها نساء كثيرات في البلدات العربيّة، مجرّدات من الحماية الكافية والمناسبة، وتحت وطأة خوف وجودي، تتنازعه مشاعر القلق والوحدة والفقدان.
إلى جانب ذلك كلّه، نشهد بالفترة الأخيرة تصاعدًا حادًّا في عدد التوجّهات حول مواضيع مختلفة، من نساءٍ ينتمينَ إلى شرائح وفئات متنوّعة: شابّات ومسنّات، أمهات أحاديّات الوالديّة، عامِلات وعاطِلات عن العمل، وجميعهن يطلبْنَ الدعم والمساعدات الماليّة، وحلولًا عاجلة لرعاية أطفالهن وتعليمهم، إلى جانب طلباتهن لإجابات واضحة حول حقوقهن في حالات الطوارئ، وإرشادات توضيحيّة لكيفيّة التعامل مع المؤسّسات الرسميّة المختلفة، والّتي أصبحت أقل إتاحة وأبعد عن متناول اليد، تحديدًا في الوقت الّذي تتزايد فيه الاحتياجات بشكل واضح وملموس على أرض الواقع.
تضطرّ المستشارات لتعزيز مكانة المرأة، واللاتي غالبًا ما يكنّ العنوان الأوّل الّذي تلجأ إليه النساء، على التعامل مع سيلٍ متزايدٍ من التوجّهات، وغالبًا دون توفُّر موارد مناسبة، أو صلاحيّات واضحة، ودون أدوات فاعلة تمكّنهن من الاستجابة بشكلٍ مجدٍ وحقيقي لاحتياجات ونداءات النساء في الميدان. تحديدًا الآن، وفي هذه الفترة الطارئة الّتي نمر بها، حيث تتفاقم الأزمات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والنفسيّة، يجب أن تحظى وظيفة المستشارات لتعزيز مكانة المرأة في السلطات المحلّيّة بمكانة مركزيّة، حيث أنّ المستشارة هي من ترتبط بالميدان، وتعرف عن كثب احتياجات النساء في مجتمعها. حين تكون المستشارة شريكة كاملة في صنع القرارات داخل السلطة المحلّيّة، وحين تُمنَح صلاحيّات جدّيّة وميزانيّة مخصَّصة وموارد واضحة، يمكنها أن تقدّم حلولًا ملموسة واستجابات حقيقيّة. لكنّ الواقع الحالي بعيد عن ذلك، فغالبًا لا تُمنَح المستشارات دورًا محوريًّا، وحتّى حينما يُدعَيْنَ لاجتماعات الطوارئ، كثيرًا ما يُطلب منهن القيام بذلك بالتوازي مع دور وظيفي آخر، ممّا يُضعِف قدرتهن على العمل لصالح النساء في مجتمعهن، كما ينبغي فعلًا أن يكون. وفي أحيانٍ أخرى، تُهمَّش المستشارات تمامًا وتُغيَّب عن سيرورة اتّخاذ القرارات، ويُتركْنَ على الهامش وخلف الركب، رغم أنّهنَّ اللاتي يحملْنَ القلب النابض الحقيقي للجبهة الداخليّة المحلّيّة.
كي تتمكّن المستشارات من التأثير الفعلي والحقيقي، لا بدّ من تعزيز دورهن ووظيفتهن داخل السلطات المحلّيّة، وتحويل هذا الدور من هامشي رمزي إلى مركزي فعّال. ولتحقيق ذلك، يجب منحهن صلاحيّات واضحة، وتخصيص ميزانيّة مناسبة، كي يتمكنّ من تقديم الدعم والاستجابة لاحتياجات النساء على أرض الواقع، وكي يتمكّنَّ من تعزيز سياسات واعية جندريًّا، والمشاركة المؤثّرة في سيرورات اتّخاذ القرارات في السلطات المحلّيّة، لما فيه صالح النساء اللاتي لا يُسمع صوتهن عادةً، لا سيّما في أوقات الحرب والأزمات.
عندما تحظى المستشارات بسندٍ قوي وواضح، وميزانيّة مخصَّصة مناسبة، واعتراف رسمي بدورهن ووظيفتهن ومكانتهن، حينها وحينها فقط، سيكون بإمكانهن تمثيل صوت النساء اللاتي يحملْنَ عبء الطوارئ على أكتافهن، وقيادة خطوات وإجراءات تُحدث تغييرًا وفرقًا ملموسًا على حياة هؤلاء النساء.
النساء هنّ العمود الفقري للمجتمع، لا سيّما في أوقات الأزمات. في الوقت الّذي ينهار فيه كثيرون، هنَّ اللاتي يحافظْنَ بأيدٍ مكشوفة على سلامة ووحدة النسيج الاجتماعي والعاطفي والمجتمعي.
حان الوقت لتعزيز موارد مخصَّصة، وتوسيع صلاحيّات المستشارات لتعزيز مكانة المرأة، وضمان كونهن شريكات فاعلات في الاجتماعات وطاولات لجان الطوارئ المختلفة، ليس فقط كصوتٍ نسائي، بل كصوتٍ يُمثّل الواقع اليومي لنحو نصف المجتمع، وكعاملٍ دافعٍ نحو تقديم الدعم والمساندة للنساء اللاتي تُركْنَ خلف الركب.
الكاتبة هي مديرة مشروع المستشارات لتعزيز مكانة المرأة في السلطات المحلّيّة العربيّة في جمعيّة إيتاخ مَعَكِ – حقوقيّات من أجل العدالة الاجتماعيّة.